2008/04/19

رحلة الضياع


دخلت مكتب رئيس قسم مكافحة المخدرات بمديرية الأمن لأخذ معلومات خاصة بالتحقيق الصحفي الذي كنت اقوم باعداده .. وهناك التقيت به .. شاب في اواخر الاربعينات من عمره .. يرتدي قميص بنصف كم ابيض وبه خ خطوط طولية وبنطال فاتح اللون يتناسب مع القميص ولكنهما كانا من قماش عادي رخيص الثمن .. وكان الشاب طويل نسبيا نحيف القوام وكان شعره الاسود تتخلله شعيرات بيضا ء ووجهه الذى يميل الى اللون الابيض عليه امارات الكرب و الهم وفي عينيه حزن دفين .. احسست انه زائغ النظرات .. عرفني عليه رئيس القسم .. وجلس على كرسي امامي .. وبدأ يروي لي حكايته قائلا : كنت اعمل سائق سيارة اجرة .. وكان لدي سيارتين اي اني كنت ميسور الحال وكذلك كانت اسرتي .. واثناء عملي التقيت بشاب من سني يعمل بائع اكسسوار ، وكان هذا الشاب يسافر معي في سيارتي .. وتوطدت العلاقة بيننا .. وعندما قررت الزواج دعوته الى حفل زفافي .. وقال لي يومها انه سيقوم معي بواجب .. وليلة الزفاف اعطاني ورقة بها جرام هيرويين وشرح لي طريقة استخدامه ..كنت وقتها عندي 21 سنة .. وقد أكد لي هذا الشاب بان ذلك سوف يجعلني سعيدا في ليلة زفافي ..ونفذت كلامه ووجدت نفسي ليلتها غير عادي .. ظللت على هذا الحال حتى نفد المخدر وبدأت اشعر بآلام فجسدي واحسست بالارهاق .. واسرعت اليه واعطاني تذكرة هيرويين .. وهكذا سرت اسيرا لهذه الشمة اللعينة.. وعندما صرفت ما ادخرته من نقود بعت سيارة بتسعة وعشرون الف جنيه وانفقت المبلغ كله خلال شهرين !!ولجأت لبيع السيارة الثانية واخذت ثمنها اثنان وثلاثون الف جنيه ولم يكمل معي هذا المبلغ شهر واحد .. افقته على تعاطي المخدر الذي صرت لا استطيع الاستغناء عنه ..في هذا الوقت لم يكن احد من اسرتي يعلم شيئا عن هذه المصيبة التي وقعت فيها .
بعد بيع السيارتين بدات اعمل على سيارات يملكها غيري بعد ان كنت املك بدلا من السيار اثنتين ، ولكن دحلي لم يعد يكفي ..واضطررت للعمل عند الشاب الذي كان السبب في مأساتي .ز وكان يعطيني اجري بالاضافة الى تذاكر الهيرويين .
وحملت زوجتي .. ورزقني الله بابني الأول وانا في هذا الحال .. وبأ اهلي يلاحظون ما وصلت اليه واخذوا ينصحونني بالابتعاد عن هذا الطريق الذي سيدمرني .. وكانت اختي تقرضني النقود عندما تفرغ نقودي وترى ما اعانيه بسبب عدم اخذ المخدر في موعده .. ولم يحاول والدي ان يشتري لي سيارة لأعمل عليها خوفا من ان ابيعها هي الأخري من اجل المخدر الذي اتعاطاه .
وعند ولادة أبني الثاني .. اقترضت مصاريف الولادة من أختي .وتنهد الشاب تنهيدة حارة وقال : لقد اوصلني الإدمان الى الكذب والنفاق ولم اكن اكذب من قبل ..ولولا مساندة اهلي لي لاتجهت الى طريق آخر يرفضه المجتمع ، وبسبب الإدمان طلقت زوجتي وام اولادي لأنها خيرتني إما هي وإما المخدرات .. وللأسف إخترت المخدرات وطلقتها رغم انها قريبتي وتعبت معي كثيرا .. وتركت لها المنزل وبالطبع لم استطع الانفاق عليها هي واولادي وكان وادي ينفق عليهم .
وصمت قليلا واحسست انه قد شرد ذهنه ثم عاد الى الواقع واكمل حديثه معي : لقد خسرت اسرتي واصدقائي وحياتي كلها .. فلم يعد أحد يثق بي ليعطيني سيارة اعمل عليها خشية ان يخسرها في حادث نتيجة لإدماني ولهذا بحثت عن عمل خارج مصر كلها .. فسافرت الى ساحل العاج لعلي استرد نفسي وما خسرته .. وهناك عملت مع احد رجال الاعمال الذي لديه اعمال في عدة دول وظننت انني قد ابتعدت عن كل ما ينغص علي حياتي بما فيها المخدرات ..ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..ففي تلك البلاد كانت المخدرات أرخص من مصر وبالتالي لم اقلع عن الادمان .. وبعد فترة عدت الي مصر ومعي سبعة آلاف دولار .. وحاولت ان ابدأ من جديد .. ولكن رفيق السوء لم يتركني .. فهو واسرته العريقة في تجارة المخدرات وقفوا لي بالمرصاد عند عودتي فكيف يتركون المبلغ الذي عدت به يمر من تحت انوفهم .. وهكذا لم يتركوني في حالي .. وبدأت اشتري منهم المخدرات .. ولشدة غبائي لم ارد زوجتي لعصمتي .. ولم انفق على أولادي من هذا المبلغ سوى الف دولار فقط والباقي ضاع على شم الهيرويين .
وعندما علمت اسرتي بأني بددت المبلغ الذي عدت به من سفري على المخدرات ضاقوا بي ذرعا ولفظتني الاسرة وتبرأت مني وقالوها لي صراحة في وجهي : لقد اعتبرناك من الاموات ، واعلن والدي انه على استعداد ان يشتري لي سيارة جديدة لاعمل عليها بشرط ان اترك المخدرات بلا رجعة ، ولهذا عندما علمت ان مكتب مكافحة المخدرات بمديرية الأمن يعطي خطابات لمن يريد الذهاب للمصحة بالقاهرة للعلاج من الادمان اسرعت بالمجيء .. وذلك بعد ان فقدت كل شىء جميل في حياتي زوجتي واولادي واسرتي واصدقائي .. واحسست بالضياع .. فمن الصعب على الانسان ان يشعر بأنه وحيد في الدنيا .. هذا الاحساس بالوحدة اتعبني جدا ..لقد خسرت الجميع وخسرت نفس قبلهم .. واحاول الا تنزلق قدمي للإنحراف بسبب هذا المخدر الذي دمر حياتي .. وأرجو ان تساعدني المصحة على التخلص من الادمان والشفاء منه تماما .. وختم حديثه قائلا : انا واثق بأن اهلي سيقفون بجواري عندما يعلمون بأني قد دخلت المصحة للعلاج فلقد قالوا لي : إبدأ الخطوة الأولى ولن نتركك وحدك وسنساندك حتى يمن الله عليك بالشفاء التام .
وقام على كرسيه وودعني وخرج ورأيت في عينيه نظرة جديدة .. نظرة أمل في غد افضل بدون مخدر يسلب ارادته ونقوده .
النهاية ( ام أقول انها البداية بالنسبة له ؟ )

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

مجهود رائع و صياغه جيده.و لكنى لدى تحفظ على العنوان,فبعد قرائتى للموضوع ارى انها بدايه لرحله جديده لا يوجد فيها مكان للضياع.

Samar يقول...

عزيزتي داليا : ان رحلة الضياع هي التي خسر فيها كل شىء حتى ام اولاده .. ولكن نهاية القصة هي البداية بالنسبة له فقد بدأ يضع قدميه على الطريق الصحيح .

غير معرف يقول...

لا حول ولا فوة إلا بالله اللهم إحفظ شبابنا من الكيف الدخيل علينا بواسطة
الأعداء وخاصة الهروين المدمر لخلايا المخ
شكرا الأخت الفاضلة سميرة هذا ما اتوقعه من بنت بلادى المصرية (السويسية) بارك الله فيك وجزاك الله خيرا